الحقيقة الرهيبة للأيام الستة في خلق السموات والأرض
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ...} سورة الحديد (4). هل هي حقـاً كما يقولون في كتب الإسلام والنصارى واليهود: الأيـام السـتة مـن أيـام الأسـبوع؟
في الجواب عن ذلك نقول:
لغوياً: كلمة (اليوم) مشتقة من أمَّ يؤمُّ... ويمتد اليوم من اللحظة كما قال تعالى: {...كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} سورة الرحمن (29).
وقد يطول إلى خمسين ألف سنة، قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} سورة المعارج (4).
وقد يكون ألف سنة، قال تعالى: {...وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} سورة الحج (47).
واليوم المعدود من قِبَلنا هو اثنتا عشرة ساعة وسطياً ويزيد عنها في فصل الصيف كما ينقص عنها في فصل الشتاء وحتماً اليوم لايشمل الليلة مع نهارها كما أخطأها بعضهم لأن الله أوضحها حينما قال: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً...} سورة الحاقة (7).
وكذا بآية: {وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} سورة الحاقة (7).
مع حلول الظلام حتى انحساره ينتهي الليل ويبدأ اليوم ولذا دائماً تأتي في الصيام كلمة (اليوم).
مثال ذلك قوله تعالى: {...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ...} سورة البقرة (196).
والصيام هو صيام النهار لا الليل، وكذلك لمَّا أعلم الله تعالى سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم بأن لا يكلِّم الناس فجاءت بإخبارٍ ذكره تعالى في موضعين مفرِّقاً بين اليوم والليلة فيهما:
1 بسورة آل عمران (41): {...قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً...} وهنا إشارة للنهار، والمفهوم منها عدم التكلُّم معهم فقط بالنهار ثلاثةً.
2 بسورة مريم (10): {...قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}. ويكون المفهوم العام للآيتين أنه صلى الله عليه وسلم لم يكلِّم الناس ثلاثة أيام بلياليها.
وكذا في سورة الليل: {وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}.
واليوم كما ورد في الآيات السابقة الذكر قد يعني اللحظة وقد يمتد إلى السنين فمثلاً كلمة (يوم زَيْد) هي بمعنى: عصر زيْد أَيْ: عمره واليوم هو حياته التي أمَّ لها منذ نشأته حتى وفاته.
أما كلمة (الليلة) فمعلومةٌ محدودةٌ وسطياً بـ /12/ ساعة، وقولهم عن الستة أيام التي خلق تعالى فيها السموات والأرض أنها من الأحد إلى الجمعة ضمناً... فنحن نعلم وعلى سبيل المثال أن كلمة (الأحد) تضم الليلة التي تسبق نهار الأحد، إذ بعصر اليوم يُعْصَرُ ويشارف على الانتهاء وعند الغروب يكون قد انتهى يومٌ وليلته قبله، لتبدأ ليلة اليوم القادم، ثم بنهاية الليل عند الشروق يبدأ نهار ذاك اليوم، ودليل ذلك قوله تعالى أن الليل يتبع دوماً النهار: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً...} سورة الأعراف (54).
وكلمة {وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فهذه الليلة متعلقة باليوم القادم الجديد الذي سيحل. {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}: وقد حل بعد زوال الليل وهو تابع لليلة الفائتة المذكورة. أما المتعارف عليه الآن أنه من بعد الساعة /12/ ليلاً تحلُّ ليلة اليوم التالي ليستمر وليلته للساعة /12/ ليلاً القادم، فهو غير صحيح فقد جزَّؤوا الليلة لجزأين قبل النهار وبعده وبقانون الله وما هو جارٍ بالطبيعة دوماً وأبداً، تبدأ الليلة بغروب اليوم السابق وينتهي اليوم (النهار) التابع لهذه الليلة بالغروب الثاني بعدها.
فهل كان تعالى يعمل بخلق السموات والأرض نهاراً (ستة أيام) ويرتاح لياليها؟ حاشاه تعالى وترفَّع عن صفات المخلوق، وهل كان ثمَّة دوران للأرض قبل وأثناء خلْق السموات حتى يسمُّوا الدورة الأرضية حول نفسها بإسم أحد أيامها، أي: نهارها؛ ولم تكن دورة أرضية بعد. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، ومنه جاءت كلمة (الكون) الذي يشمل السموات والأرض وما فيهن، إذ قال له تعالى كُنْ فكان؛ فهو كون، ومن المعلوم أن تشكُّل الأيام والليالي نتيجة دوران الأرض بوجود الشمس، أمَّا قبل خلق الكون وتسييره فلم يكن هناك ثمة أيام أبداً إلاَّ بعد تجلِّيه تعالى على الكون وتسييره له.
أما عن قولهم أنه خلقها في ستة أيام فالله تعالى إذا أراد أن يقرِّر حقيقة في نفس الإنسان يقررها بالشيء المشهود أمامه.
وبذكر الأمثلة التي يراها ماثلة أمامه... فمثلاً يقرر حقيقة الموت في نفس الإنسان من كلمة: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} سورة التكاثر (2).
فكلنا يرى المقابر والأموات ومواراتهم بالمقبرة.
الله تعالى يخاطبنا بآيات فيها تبيان عن الكون وما فيه من أنظمة لعلَّ الإنسان إن فكَّر بصدق آمن حق الإيمان، قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَموَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} سورة فصلت (11-12).
باستوائه جلَّ وعلا إلى السماء، أي تجلِّيه عليها... وقضائه لها بسبع سموات، أي تجلِّى على السماء بأسمائه الحسنى وسرت الحياة فيها وجعلها سبعاً وقامت كلُّ سماء منها بوظيفتها المخصَّصة لها وقام كل مخلوق فيها بعمله... الهواء، الغيوم، القمر، الكواكب، الشمس، النجوم، السماء المحيطة.
وأما عن المراد من كلمة (فِي يَوْمَيْنِ) في قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} فنقول: ليس المراد من كلمة (فِي يَوْمَيْنِ) بيان فترة زمنية استغرقها خلْق السموات والأرض... وإنك إذا رجعت إلى الآيات التي سبقت هذه الآية لتبيَّن لك المراد من ذكر الأيام مقروناً بخلق السموات والأرض، قال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} سورة فصلت (9-12).
فالله تعالى حينما يقرِّع الكافرين ويسألهم: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} لا يريد بذلك أن يعرِّفهم أن خلق الأرض استغرق يومين لأن ذلك لايقيم عليهم حجة ولا يستدعي تفكيراً، إذ باستطاعتهم أن يقولوا: كيف يسألنا الله تعالى عن شيء لم نره، فنحن لم نشاهد خلْق هذين اليومين ولا علم لنا بهما. وبما أن الله تعالى لا يسأل عباده إلاَّ عن شيء ظاهر مشاهد ولا يطلب منهم التفكير إلاَّ في آيات بينة مشهودة يصلون من خلالها لتعظيم خالقها.
إذن: كلمة (فِي يَوْمَيْنِ) تلفت نظر الإنسان إلى النظام الكوني القائم الذي بموجبه تدور الأرض دورتها حول نفسها ويتشكَّل منها الليل والنهار... فكل ما يُخلَق وينشأ على الأرض لولا الليل والنهار لما تشكَّل ماتشكَّل من مخلوقات، فالأرض وما عليها من مخلوقات قائمة على نظام الليل والنهار... إذاً فهي تؤم لهذين اليومين.
أما كلمة (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ): فالمقصود فيها لفت نظر الإنسان إلى حركة الأرض الانتقالية التي تتشكَّل منها الفصول الأربعة وبواسطتها تحصل التبدلات الجوية في الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع، أمطار، رياح، حر، برد... كلها تساعد على خروج النباتات وانعقاد الأثمار وتأمين الأقوات اللازمة لما على سطح الأرض من مخلوقات. فالأقوات لا تنضج ما لم تمرُّ بها الفصول الأربعة وإليها يؤم نضوجها فهذه الأيام الأربعة مخصَّصة بالأقوات و المأكولات والثمرات التي تحتاج إلى مطر الشتاء وإزهار الربيع وإنضاج الصيف وتنظيف الخريف... فهي الفصول الأربعة بذاتها والتي يؤمُّ إليها إنضاج الحبوب والثمار. هذه الفصول لا تحصل إلاَّ بزيادة الليل ونقصانه.
ومن ذلك يتبيَّن أن اليومين اللذين تؤم إليهما الفصول في حدوثها وإيتاء أُكُلِها وتحقيق كمال وجودها وإتمام نعم الله على مخلوقاته هما الليل والنهار فبدوران الأرض وتشكُّل الليل والنهار الذي هو سبب بتشكُّل الفصول الناتج عن دوران الأرض حول نفسها. هذا النظام العظيم ليس مجرد صدفة ولا يقرُّ الفكر البشري بوجوده صدفة إنما يدلُّ على خالق عليم حكيم ورب رؤوف رحيم... وهو طريق للإيمان جعله الله تحت عيان الإنسان علَّه يهتدي إن فكَّر كما فكَّر سيدنا إبراهيم عليه السلام.
فالليل يوم، والنهار يوم، والفصول الأربعة: أربعة أيام.
وهذه هي الأيام الستة التي ذكرها تعالى بمواضع أخرى كما في سورة يونس (3): {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ}: واحد هو المربي لك... حياتك، قيامك به. {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ...}: لأجلك، لتربيتك في ستة أيام... أربعة فصول وليل ونهار.
وكذا في سورة الأعرا ف (54): {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ...}.
فهذه التربية التي تحصل بها على طعامك وشرابك وتربيتك يا إنسان قائمة على نظام دقيق، فنظام السموات والأرض في الخلْق واستمرار الحياة يؤم لأربعة فصول وليل ونهار وهي الأيام الستة إن فكَّرت بهذا النظام اهتديت إليه تعالى. فالحمد لله ربُّ الدورة المائية بالدورة السحابية فالقمرية والشمسية والكوكبية فالنجمية المجرية، المتفضِّل بالطعام والشراب لعباده بهذه القوانين الصارمة في الدقة والمسخَّرة لنا منّاً منه تعالى وكرم. مُفتِّح أبواب السموات، مسبِّب أسباب السرور والبسط والخيرات، بذا يقلِّب القلوب والأبصار فهو دليل المتحيرين وغياث المستغيثين، أغثنا توكَّلنا عليك يا رب العالمين. المؤمنون يفوِّضون أمورهم إلى الله، البصير بمن خَلَق الذي يرزق ورزق، فلا حول ولا قوة إلاَّ به هو الحي المحي الباقي الذي لا يموت. جلَّت كبرياؤه وحفَّت رحمته بكافة من خلق عليه توكَّلنا وإليه أنبنا ودائماً وأبداً إليه المصير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق